السبت، 18 أغسطس 2007

رؤية أمل دنقل

من بدائع الأدب العربي المقاوم ما سطرته انامل الشاعر أمل دنقل أثناء توقيع اتفاقيات السلام المصرية الإسرائيلية و التي اسماها " مقتل كليب و الوصايا العشر " و التي اشتقها من التراجيديا العربية الشهيرة الموسومة بـ ( حرب البسوس ) و على الرغم من اختلافي مع وجهة نظر الشاعر الضيقة لتعريف العمل النضالي و استبدال مبدأ المقاومة و النضال الذي ينتهي باسترداد الأرض بالثأر الذي لا ينتهي إلا انها أثرت في نفسي كثيرا و أثارت بي روح ذلك العربي الصعلوك الثائر مما حدا بي إلى عرضها على زوارنا الكرام يقول أمل دنقل :ـ




فنظر "كليب" حواليه وتحسَّر، وذرف دمعة وتعبَّر، ورأى عبدًا واقفًا فقال له: أريد منك يا عبد الخير، قبل أن تسلبني، أن تسحبني إلى هذه البلاطة القريبة من هذا الغدير؛ لأكتب وصيتي إلى أخي الأمير سالم الزير، فأوصيه بأولادي وفلذة كبدي
فسحبه العبد إلى قرب البلاطة، والرمح غارس في ظهره، والدم يقطر من جنبه.. فغمس "كليب" إصبعه في الدم، وخطَّ على البلاطة وأنشأ يقول ..


(1)
لا تصالحْ !
.. ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك،
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى..:
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،
حسُّكما - فجأةً - بالرجولةِ،
هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،
الصمتُ - مبتسمين - لتأنيب أمكما..
وكأنكما
ما تزالان طفلين!
تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي - بين عينيك - ماءً ؟
أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..
تلبس - فوق دمائي - ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب ؟
إنها الحربُ !
قد تثقل القلبَ ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ ..
ولا تتوخَّ الهرب !



(2)
لا تصالح على الدم .. حتى بدم !
لا تصالح ! ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك ؟!
أعيناه عينا أخيك ؟!
وهل تتساوى يدٌ .. سيفها كان لك
بيدٍ سيفها أثْكَلك ؟
سيقولون :
جئناك كي تحقن الدم ..
جئناك . كن - يا أمير - الحكم
سيقولون :
ها نحن أبناء عم.
قل لهم : إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك
واغرس السيفَ في جبهة الصحراء
إلى أن يجيب العدم
إنني كنت لك
فارسًا،
وأخًا،
وأبًا،
ومَلِك!



(3)
لا تصالح ..
ولو حرمتك الرقاد
صرخاتُ الندامة
وتذكَّر ..
(إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة)
أن بنتَ أخيك "اليمامة"
زهرةٌ تتسربل - في سنوات الصبا -
بثياب الحداد
كنتُ، إن عدتُ:
تعدو على دَرَجِ القصر،
تمسك ساقيَّ عند نزولي..
فأرفعها - وهي ضاحكةٌ -
فوق ظهر الجواد
ها هي الآن .. صامتةٌ
حرمتها يدُ الغدر:
من كلمات أبيها،
ارتداءِ الثياب الجديدةِ
من أن يكون لها - ذات يوم - أخٌ !
من أبٍ يتبسَّم في عرسها ..
وتعود إليه إذا الزوجُ أغضبها ..
وإذا زارها .. يتسابق أحفادُه نحو أحضانه،
لينالوا الهدايا..
ويلهوا بلحيته (وهو مستسلمٌ)
ويشدُّوا العمامة ..
لا تصالح!
فما ذنب تلك اليمامة
لترى العشَّ محترقًا .. فجأةً ،
وهي تجلس فوق الرماد ؟!



(4)
لا تصالح
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ ..؟
وكيف تصير المليكَ ..
على أوجهِ البهجة المستعارة ؟
كيف تنظر في يد من صافحوك..
فلا تبصر الدم..
في كل كف ؟
إن سهمًا أتاني من الخلف..
سوف يجيئك من ألف خلف
فالدم - الآن - صار وسامًا وشارة
لا تصالح ،
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
إن عرشَك : سيفٌ
وسيفك : زيفٌ
إذا لم تزنْ - بذؤابته - لحظاتِ الشرف
واستطبت - الترف



(5)
لا تصالح
ولو قال من مال عند الصدامْ
" .. ما بنا طاقة لامتشاق الحسام .."
عندما يملأ الحق قلبك:
تندلع النار إن تتنفَّسْ
ولسانُ الخيانة يخرس
لا تصالح
ولو قيل ما قيل من كلمات السلام
كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس ؟
كيف تنظر في عيني امرأة ..
أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها ؟
كيف تصبح فارسها في الغرام ؟
كيف ترجو غدًا .. لوليد ينام
- كيف تحلم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام
وهو يكبر - بين يديك - بقلب مُنكَّس ؟
لا تصالح
ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام
وارْوِ قلبك بالدم..
واروِ التراب المقدَّس ..
واروِ أسلافَكَ الراقدين ..
إلى أن تردَّ عليك العظام !



(6)
لا تصالح
ولو ناشدتك القبيلة
باسم حزن "الجليلة"
أن تسوق الدهاءَ
وتُبدي - لمن قصدوك - القبول
سيقولون :
ها أنت تطلب ثأرًا يطول
فخذ - الآن - ما تستطيع :
قليلاً من الحق ..
في هذه السنوات القليلة
إنه ليس ثأرك وحدك،
لكنه ثأر جيلٍ فجيل
وغدًا..
سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،
يوقد النار شاملةً،
يطلب الثأرَ،
يستولد الحقَّ،
من أَضْلُع المستحيل
لا تصالح
ولو قيل إن التصالح حيلة
إنه الثأرُ
تبهتُ شعلته في الضلوع..
إذا ما توالت عليها الفصول..
ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس)
فوق الجباهِ الذليلة !



(7)
لا تصالحْ، ولو حذَّرتْك النجوم
ورمى لك كهَّانُها بالنبأ..
كنت أغفر لو أنني متُّ..
ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ .
لم أكن غازيًا ،
لم أكن أتسلل قرب مضاربهم
أو أحوم وراء التخوم
لم أمد يدًا لثمار الكروم
أرض بستانِهم لم أطأ
لم يصح قاتلي بي: "انتبه" !
كان يمشي معي..
ثم صافحني..
ثم سار قليلاً
ولكنه في الغصون اختبأ !
فجأةً:
ثقبتني قشعريرة بين ضعلين..
واهتزَّ قلبي - كفقاعة - وانفثأ !
وتحاملتُ ، حتى احتملت على ساعديَّ
فرأيتُ : ابن عمي الزنيم
واقفًا يتشفَّى بوجه لئيم
لم يكن في يدي حربةٌ
أو سلاح قديم،
لم يكن غير غيظي الذي يتشكَّى الظمأ



(8)
لا تصالحُ ..
إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة:
النجوم.. لميقاتها
والطيور.. لأصواتها
والرمال.. لذراتها
والقتيل لطفلته الناظرة
كل شيء تحطم في لحظة عابرة:
الصبا - بهجة الأهل - صوتُ الحصان - التعرف بالضيف - همهمة القلب حين يرى برعمًا في الحديقة يذوي - الصلاة لكي ينزل المطر الموسمي - مراوغة القلب حين يرى طائر الموت وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة
كلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرة
والذي اغتالني: ليس ربًّا
ليقتلني بمشيئته
ليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته
ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة

لا تصالحْ
فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ ..
(في شرف القلب)
لا تُنتقَصْ
والذي اغتالني مَحضُ لصْ
سرق الأرض من بين عينيَّ
والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة !



(9)
لا تصالح
ولو وَقَفَت ضد سيفك كلُّ الشيوخ
والرجال التي ملأتها الشروخ
هؤلاء الذين يحبون طعم الثريد
وامتطاء العبيد
هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم،
وسيوفهم العربية، قد نسيتْ سنوات الشموخ
لا تصالح
فليس سوى أن تريد
أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد
وسواك .. المسوخ !



(10)
لا تصالحْ
لا تصالحْ



أمل دنقل
نوفمبر "تشرين الثاني" 1976

السبت، 4 أغسطس 2007

مسابقة أمير الشعراء شجون و شجون


منذ عدة أسابيع ابتدأت المراحل النهائية لمسابقة أمير الشعراء و هي مسابقة جيدة الأهداف و المضمون و تنطوي على أهمية شديدة في عصرنا الحاضر ، حيث كاد أن يندثر الشعر العربي الفصيح المقفى القديم لحساب الشعر النبطي و الحداثة الغير مقفى

أمير الشعراء في لمحة تاريخية لقب استحدث لتكريم شاعر من مجموعة من الشعراء اجتمعوا و اجمعوا على اختيار احمد شوقي ليكون أميرا للشعراء كمكافئة لتجديده في الشعر العربي و الدور البارز الذي لعبه في نشر القصيدة العربية ثم بعد وفاة شوقي اختير الشاعر اللبناني بشارة الخوري الملقب بالأخطل الصغير أميرا للشعراء ثم انقطع لواء إمارة الشعر عن أي شاعر

في هذه المسابقة يلتقي الكثير من الشعراء الشباب من مختلف أقطار وطننا العربي على الرغم من إبداعية المتسابقين و التي أبهرتني و ذكرتني بشعرائنا الأوائل كالبارودي و احمد شوقي و حافظ إبراهيم و إسماعيل صبري و عباس العقاد و المتنبي و الفرزدق و أبو تمام إلا أنها أثارت بي الكثير من علامات الاستفهام على هذه المسابقة و نوعية المشاركين فيها و شروطها و اللجنة التحكيمية بها و التي نكن لها كل تقدير

النقطة الأولى تتمحور حول السن حيث يشترط في هذه المسابقة أن يشارك فقط من كان عمره اصغر من 45 سنة و كلنا يعلم أن الشاعر لا يعلوا شانه و يبلغ شأوه إلا بعد أن تعركه الحياة و احمد شوقي بنفسه لم ينل هذا اللقب إلا بعد الخمسين و قبل خمس سنوات من وفاته لكن ما تعذر له اللجنة و يحسب لها هو ضرورة زرع اللغة العربية في قلوب الشباب و تشجيعهم على الغور في بحورها و الذين هم أهم من يجب أن ينقل اللغة و هذا ما وجه اللجنة لهذه الناحية و أنا أؤيد هذا الاتجاه

في هذه المسابقة كانت بعض اختيارات لجنة التحكيم غير موفقة و تفتقر إلى الاحترافية في الاختيار و كثيرا ما تتأثر بتصفيق الجمهور للشاعر على الرغم من خلو قصيدته من الناحية الإبداعية و لذلك نماذج نعتذر عن ذكرها حتى لا نجرح أحدا من الفائزين

و كذلك تصويت الجمهور و التصويت عبر الهاتف لا يعد مقياسا بكون فلان متأهل أو غير متأهل بل إن الكثير من سقطوا بسبب تصويت الجمهور قد أعطتهم لجنة التحكيم درجات متميزة و هذا ما يثير الاستغراب ثم إن رأي الجمهور متأثر بالعصبيات المناطقية و القبلية و السياسية الخ ، فهل رأي رجل الشارع أفضل من رأي لجنة التحكيم .. ؟

مما يثير الاستغراب في هذه المسابقة هو جنسيات المشاركين حيث يعد الإماراتيون أكثر المتأهلين لهذه المسابقة و لا نعلم هل ذلك عن كفاءة أم لكونهم أهل الضيافة و من النقاط الهامة أيضا موضوعات القصائد حيث كسرت القصائد في مدح الشيخ زايد رحمه الله و الذي نكن له كل تقدير كل الأرقام القياسية و كلها أسقطها الجمهور أو لجنة التحكيم و لا اعلم هل هذا ناتج من العقلية العربية في عصرنا الحاضر القائمة على ثقافة مسح الجوخ و الواسطة و إسقاط الكثير من هذه القصائد و التي كانت أصلا مختلة في بنائها و ميزانها يحسب للجنة التحكيم

لجنة التحكيم لوحظ عليها تغليب العاطفة كثيرا حينما تتكلم القصيدة عن موضوعي العراق و فلسطين حيث ينسى المحكمون أنفسهم و يعلون من شان القصيدة أو الشاعر على الرغم من أن القصيدة في بعض الأحيان لا ترقى لان تكون متأهلة فضلا عن سلامتها البلاغية في بعض الأحيان و كثيرا ما تأهل بعض المشاركين حينما نظموا القصيدة في هذا الموضوع و صفق لهم الجمهور الإماراتي بحرارة منقطعة النظير على الرغم من أن القصيدة في بعض الأحيان تكون مرة بلاغيا و حامضة وزنا و مبناً

لوحظ اقتصار المشاركة من الدول الخليجية على الإمارات و السعودية و عمان و افتقرت المسابقة إلى شعراء الخليج العربي من الكويت و قطر و البحرين على الرغم من رقي التجربة الشعرية في هذه الدول خصوصا في البحرين التي أنجبت الكثير من الشعراء و الأدباء و لا اضن أنها لا تنجب أدباء تنطبق عليهم مواصفات المسابقة و كذلك في وطني الكويت حيث يعد شعراؤنا الشباب أكثر رقيا في شعرهم و كلماتهم من الكثير من المتأهلين للمراحل النهائية لهذه المسابقة و لا اعلم السبب وراء استثناء الكويت و البحرين هل يعود لحزازيات شعبية حيث عرف أن الإماراتيين لديهم الكثير من الملاحظات على نفسية الشعب الكويتي

ليس من العدل أن تشارك كل الأقطار العربية و لا تشارك البحرين و الكويت و لا نعلم هل لجنة التحكيم أتت للكويت و البحرين و انتظرت شاعرا و لم يتقدم احد و هنا نلقي باللائمة على شعرائنا الشباب أم أن اللجنة لم تكلف نفسها عناء المجيء إلى الكويت أو البحرين أم أن الشعراء الكويتيون و البحرينيون تقدموا للمسابقة و لم يعجب شعرهم لجنة التحكيم ، حقا شيء يثير الاستغراب و التساؤل

أيضا مما عاب المسابقة غياب التنسيق بينها و بين مؤسسة البابطين للإبداع الشعري في الكويت و يحق لنا أن نتساءل بعد كل هذه الأموال التي صرفت على هذه المكتبة و هذه المؤسسة أين التنسيق و لماذا لم تكن مؤسسة البابطين راعية لهذه المسابقة و لماذا لم تتعاون مع مجلس ثقافة أبو ظبي على الأقل يذكر اسم الكويت بين الرعاة بعد أن تم إقصاؤه من بين المشاركين و يحق لنا التساؤل ما هو موقع مؤسسة البابطين للإبداع الشعري و مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي من هذه المسابقة و لماذا لم تصرف عليها الأموال بدل أن تصرف على المؤتمرات التي لا نستفيد منها حينما تعقد في أوربا و أمريكا

هذا غيض من فيض من التساؤلات التي طرأت على بالي و أنا أتابع هذه المسابقة الجميلة و التي اشكر مجلس ثقافة إمارة أبو ظبي على إقامتها و إحيائها على الرغم مما شابها من ما أراه بنظري هفوات قاتلة و في النهاية لا املك إلا أن اشكر لجنة التحكيم في المسابقة و القائمين عليها و المشاركين بها و الذين أمتعونا شعرا و خصوصا الشاعرة الجزائرية حنين عمر في معارضتها للمتنبي و الشاعر السوري ياسر الأطرش أمير الحب و الشاعر الهندي مشتاق حسين و الذي ابهرنا بإتقانه للغة العربية و كأنه من أهلها و إتقانه للشعر و كأنه المتنبي
** ملاحظة **
إخواني شعراء المدونات و خصوصا من الكويت أرجو المشاركة لأنني أهدف من هذا الموضوع التعرف عليكم و الاطلاع على مدوناتكم و شعركم و الاستماع إلى آرائكم في هذه المسابقة